من كتاب رائحة المسيح الذكية في ابرار معاصرين
ابونا لوقا سيداروس
كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس – اسبورتنج اسكندرية
سيرة أم مراد صديقة الملائكة
عاشت هذه البارة بيننا سنين كثيرة وعرفناها عن قرب فكانت بالحقيقة أيقونة جميلة لحلاوة العشرة مع الله، فقد جمعت بين البساطة التي للأطفال الصغار والإيمان العميق الواثق في الله، وقد حباها الله بدالةعجيبة لدى القديسين ولاسيما رئيس جند الرب الملاك ميخائيل، فقد تعلقت به منذ صباها وظلت علاقتها الإيمانية به تزداد وتنمو خبرتها مع الأيام وتوالي الأحداث في حياتها. وقد كانت تثق ثقة فائقة في أنه إذا ما طلبت إليه أو تشفعت به، أن طلبتها لابد أن تجاب وأنها ستنال ما سآلته مهما كان يبدو بعيد المنال.
قصة تعارف عجيبة:
كنا يومها نصلي القداس الإلهي في كنيستنا الحبيبة كنيسة مارجرجس باسبورتنج بالاسكندرية - أبونا بيشوى كامل وأنا، كان ذلك حوالي سنة 1969 ،
وبعد نهاية القداس، جاءتني هذه السيدة، بسيطة في مظهرها وهي كما عرفتني أرملة، وأم لثلاثة شبان، كانت تقيم من قبل في بني سويف. قبل أن يتوفى رجلها. ويومها جلست تحدثني عن رغبتها في بناء كنيسة على اسم رئيس الملائكة الجليل ميخائيل، وللحق أقول إن يومها ما أخذت الكلام مأخذ الجد،
لأن السيدة التي كانت تحدثني امرأة فقيرة، ليست من الأغنياء وبناء كنيسة يحتاج إلى كثير من المال، بل والكثير جدًا،
غير ما يقابل هذا الأمر من عقبات وعقبات لذلك كنت استمع إليها مجرد الاستماع،
ثم إذا بها تخرج لفة قماش مصرورة وتقدمها لي وتقول:
"خذ هذه الخمسين جنيها وابن لي بها كنيسة على أسم الملاك ميخائيل!!!!!!!!!!."
فقلت لها: "يا سيدتي إن خمسين جنيها لا تكفي لشراء رخام للمذبح (في ذلك الوقت) ونحن نبني الأن كنيسة على اسم القديس تكلا هيمانوت الحبشي بالإبراهيمية، وهو صديق للملاك ميخائيل، فممكن توجيه هذا المبلغ لبناء مذبح بالكنيسة باسم الملاك ميخائيل وهذا يوفي الغرض أما بناء كنيسة فهذا أمر مستحيل."
كان كلامي يبدو غير مريح للسيدة الجالسة إلى جواري، وإذا بها تسترد صرة النقود من يدي وتقول:
"هات، إنت معندكش إيمان؟"
قلت لها: "إيمان بماذا؟"
قالت:"إيمان بأن ربنا ممكن يعمل بالقليل."
وبدأت تقص لي عجائب الملاك ميخائيل معها،
حتى قالت: "أطلب من السماء حاجة، صدقني أحضرها لك أوعى ما تصدقش، ده أنا الملاك عمل معايا حاجات كثيره. خللي الفلوس عندك، ولما تبان الكنيسة، اجعل الفلوس دي خميرة للبركة... وهتتبني الكنيسة. أنا عمري ما طلبت حاجة ولم آخدها."
تعجبت من هذه السيدة،وذهبت لآبينا بيشوى كامل، وحكيت له حكاية هذه السيدة،
فقال لى: "حسب إيمانها يكون لها، احفظ هذه الوديعة عندك وانتظر ونشوف ربنا يعمل ايه."
وقد كان. والعجيب إنه لم يمضي أسبوع حتى جاء إلى الكنيسة رجل وقور، جاوز الستين من عمره، كان يعمل مفتشا للغة الإنجليزية،هو وزوجته،
ولم يكن لهما أولاد وكان يسكن في فيلا يملكها في منطقة مصطفى باشا،
ولم يكن لنا سابق معرفة بالرجل، وطلب أن يجلس معنا، وقد تصادف وجود أبونا بيشوى وأنا بالكنيسة،
وعندما جلسنا قال الرجل إن الفيلا التي يملكها يريد أن يتنازل عنها للكنيسة، لأنه ليس له أولاد من بعده وهو في غنى أن يكون له مقتنيات في الأرض.
قال له أبونا بيشوى: "واحنا نعمل إيه بالفيلا؟"
فقال الرجل: "اعملها كنيسة."
فقال أبونا: "دعنا نصلي ونطلب إرشاد اللة في هذا الأمر."
وبعد أيام ذهبنا لزيارة الأستاذ ميخائيل مفتش اللغة الانجليزية في الفيلا في مصطفى باشا، فيلا صغيرة في شارع ضيق والمنطقة مقطوعة، ليس فيها حركة ولا أنوار في الليل... يخاف الانسان أن يسير فيها، والمنطقة ليست منطقة مزدحمة بالسكان وعدد المسيحين محدود... فهل تصلح أن تكون كنيسة؟
كنا نصلي ونضع الأمر أمام الله وكان المتنيح البابا كيرلس السادس موجودًا بالإسكندرية، فذهبنا إليه وعرضنا عليه الأمر، فقال البابا بكره الدنيا تتغير، وتبقى كنيسة كويسة، روحوا خلوه يعمل التنازل.وفي اليوم التالى كان الأستاذ ميخائيل يوقع على التنازل بالبطريركية، وكتب أنه يتنازل عن ملكية الفيلا للبطريركية لإقامة كنيسة باسم رئيس الملائكة ميخائيل وفي حال عدم بناء الكنيسة ترجع إليه الملكية.
يومها قال لي أبونا بيشوى: "فين الخمسين جنيه بتاعة الست صاحبة الملاك ميخائيل؟"
فأحضرتها، ودفعتها للممول لبداية العمل في هدم الفيلا، وإقامة مبنى بسيط لكنيسة الملاك ميخائيل في مصطفى باشا.وفيما كان العمال يحفرون الأساسات، إذا بهم يجدون قطعة من حجر جيري برسم قربانة مملوء صلبانا، فعلمنا بما لا يدع مكاًنا للشك أن العمل من البداية هو عمل إلهي، وأيقنت لساعتها أن رغبة الست أم مراد أن تبني كنيسة كانت تحركها يد خفية، وأن الله يتكلم في قلب مختاريه ويحركهم لعمل مسرته.
صدقات في أماكن كثيرة:
عرفت فيما بعد أن الست أم مراد تسافر في كل سنة إلى أماكن بعيدة في إيبارشيات مختلفة، قرى وعزب ونجوع لا يعرف عنها أحد، وهناك أعمال رحمة لكنائس وفقراء على قدر ما تسمح لها ظروفها المحدودة، بل وفوق الطاقة أيضًا، كانت تذهب إلى قرى في الفيوم وبني سويف، وبعض مناطق تابعة لأسوان في بعض الأحيان. ولما تقدمت بها الأيام ولم تكن تحتمل مشقة السفر، كانت ترسل إلى تلك الأماكن المتعددة. وكانت تفرح فرحًا فائًقا عندما تجد أماكن للعبادة في تلك المناطق، وتشجعهم. وفي مرات كانت تطلب مني بعض الستور أو أوانى المذبح فتذهب بها إلى تلك الأماكن، كانت عجيبة إذ وضع الله في قلبها هذه، العناية وهذه الخدمة.
من حيث يأتي عوني:
جلست في شرفة منزلها ذات يوم، وكان عيد الملاك ميخائيل يوم 12 بؤونه ( 18 يونيه) يقترب، وكانت في تلك الأيام قليلة الموارد جدًا، إذ كان زوجها قد توفى وترك لها ثلاثة أولاد وليس لديها سوى معاش بسيط، كان قلبها يتحرك في داخلها أن تعمل الصدقات، وتفتقد بعض المرضى والمعوزين ولكن وقد ضاق بها الحال، وليس لديها من مال الدنيا شيء، جلست تصلي رافعة بصرها نحو السماء، وكانت تعاتب الملاك ميخائيل فتقول له ليه تسيبني أصل إلى هذه الحال التي لا يكون عندي شيء أقدمه، فظهر لها الملاك وعزاها بمنظر بهي في السماء، ولم تتحرك من جلستها، و إذا بساعي البريد يطرق بابها، ويسلمها خطاب به شيك من مصلحة المعاشات فروق قديمة مستحقة
فكم شكرت الله وازداد ايمانها، وبعد يومين كانت في طريقها إلى بني سويف والفيوم والأماكن التي اعتادت أن تصنع فيها عمل الرحمة وخدمة اخوة الرب.
بدل الشغالة:
بعد أن أنعم الرب عليها، إذ تخرج ابنها الأكبر من كلية الهندسة، استأجر لها إحدى الشغالات لتعاونها، وكان يدفع لها جنيهين في الشهر، وإذ كانت مواردها لم تزل محدودة، ووجدت أنها تستطيع أن تقوم بأعباء المنزل بمفردها، استغنت عن الشغالة، وقالت لي أنا باشتغل بدل الشغالة ومرتبها ممكن أوزعه، كانت يومها تقول لي ضميري تعبان لاني مشيت الشغالة، كان بودي أنها هي كمان تجد مصدر رزق، لكن أنا ما يهمنيش التعب- ربنا بيساعدني علشان باساعد أولاده.
قوته في الضعف:
شعرت في يوم من الأيام بتعب شديد وصداع بالرأس لم تجد له علاجًا وبعد أيام أصر أولادها أن تذهب إلى الطبيب، وتحت ضغط شديد ذهبت في اليوم التالى إلى عيادة الدكتور عزيز زكي أستاذ الأمراض الباطنة- بمحطة الرمل بالإسكندرية- وانتظرت إلى أن يأتي دورها، وهي في غاية من التعب بالكاد تستطيع أن تفتح عينيها، ثم إذ جاء دورها بين المرضى دخلت إلى حجرة الكشف، وما أن وقع الدكتور عزيز زكي الكشف عليها حتى اضطرب إذ كان ضغط الدم عندها مرتفع. جدًا حتى خشى الرجل على حياتها، وقال لها: "من معك.؟" فقالت: "لا أحد." فقال: "هذا مستحيل، انك لا تقدرين أن تذهبي إلى بيتك بمفردك." لاسيما إنها كانت تسكن بعيدًا عن محطة الرمل، في شارع خالد بن الوليد - سيدي بشر-
فقال لها الدكتور: "خذى تذكرة العلاج وحاولي أن تصرفيها بسرعة، وخذي تاكسي واذهبي حالأ للمنزل. المفروض ان أدخلك المستشفى.
"فشكرته، وقالت له: "يا دكتور بنعمة المسيح وشفاعة الملاك ميخائيل أنا كويسة." ونزلت من العيادة، لم تشتر الدواء ولا ركبت تاكسي بل توجهت إلى كنيسة الشهيد مارمرقس الإنجيلي، وعند أيقونة رئيس الملائكة ميخائيل، وقفت مصلية باكية... إلى بعض الوقت، وخرجت من باب الكنيسة في كامل الصحة، وكأنه لم يكن بها مرض ورجعت بيتها تمجد الله.
فلما عاد ابنها وكان في نهائى طب قالت له: "يا ابني قس ضغط الدم لي." فلما قاس وجده طبيعيًا جدًا... فقالت لة ما قاله الدكتور، ومجدت الله وبيتها وعملت تمجيد لرئيس جند الرب .
الملاك رافائيل:
كان هذا في سنة 1984 عندما حضرت إلى الست أم مراد وهي متهللة جدًا وتحدثت بأعمال الله معها، كيف عظم الصنيع مع أولادها وأعطاهم جميعًا سؤل قلبهم فالأول مهندس ناجح والثانى ضابط طبيب، وقد كان من آخر اعمال الله، أن ابنها الطبيب رغب أن يذهب إلى السعودية ليعمل هناك بعض الوقت، وكان منذ سنة قد قدم للالتحاق بإحدى المستشفيات هناك، ولكن لم يوفق إذ وجد شروط الوظيفة لا تناسبه، بعد أن تقابل مع وفد سعودى. مضت سنة وعاد نفس الوفد ليعمل مقابلات مع أطباء في مصر، ثم قابلهم للمرة الثانية ووضع أمامهم شروطه التي توافقه من جهة المرتب وخلافه ولكن لم يوافق الوفد على هذه الشروط، ورجع الابن من القاهرة تبدو عليه علامات الضيق ولما سألته سرد لها تفاصيل المقابلة وانهم انتهوا إلى الرفض، ولم يتفق هو معهم وتركهم راجعًا.
كان يومها يوافق 2 نسى، أى 7 سبتمبر، وكان تذكار الملاك رافائيل مفرح القلوب يقع في اليوم التالى أى 8 سبتمبر. وهنا رفعت هذه البارة قلبها بالصلاة وقالت يا ملاك الله رافائيل يا مفرح القلوب إن فرحت قلب ابني واذهبت عنه هذا الضيق، سأفرح قلبك وابني على اسمك كنيسة.
ومن العجب أنها اشترطت عليه هكذا قائلة إن أسمعت ابني خبرًا يفرح قلبة قبل منتصف الليل سأعرف أن الرب سمع طلبتي بشفاعتك المقبولة. والمذهل أن تليفون المنزل يدق قبل منتصف الليل بدقائق، ويكون المتكلم رئيس الوفد السعودي ويبلغ ابنها بقبول جميع الشروط وحصوله على الوظيفة. يومها قالت لي سأحضر لك مبلغ كبير في هذه المرة لتبني كنيسة على اسم الملاك رافائيل الذي فرح قلب ابني، حًقا أنه مفرح القلوب.
ومن أعجب التدابير الإلهية أننا كنا مشغولين في تلك الأيام بالبحث عن قطعة أرض تصلح لتكون كنيسة في إحدى المناطق، ولم نوفق إلى ذلك اليوم، فلما تقابلنا مع هذه الأم الفاضلة، استبشرنا خيرًا
وتأكدنا أنه خرج الآمر من قبل الرب، وكان يومها حولنا أحباء من الخدام مع أبونا كيرلس داود، قالت لهم يومها على سبيل المداعبة، المرة الماضية كان المبلغ 50 جنيهًا أما هذه المرة سيكون 200 جنيهًا
وقد فوجئت بها بعد عدة ايام تحضر لي ظرف به مبلغ 200 جنيهًا فعلاً فحفظته للبركة شاعرًا أنه خميرة صغيرة تستطيع أن تخمر العجين كله، وفي غضون أسابيع قليلة كنا قد اشترينا الأرض بمبلع 200,000 جنيه لتبنى كنيسة باسم الملاك روفائيل مفرح القلوب.
القديس أنبا مقار:
كان المهندس مراد ابنها الاكبر يعمل في شركة أولاد مقار، وكان عمله في الطريق الصحراوي بالقرب من دير القديس أنبا مقار بوادى النطرون، ولذا كان يقيم في الموقع ربما أسبوعًا أو أكثر، ثم يذهب إلى الإسكندرية يومًا أو يومين ثم يعود إلى عمله، وعندما كان يتحصل له بعض الوقت يزور دير القديس أنبا مقار يلتمس البركة ويأتي إلى بعض الآباء الرهبان يسمع منهم كلمة منفعة وكلمة تعزية، واذ توثقت العلاقة بينهم كان يمد يد المساعدة في إصلاح المعدات الثقيلة، والأوناش للدير لأن هذا كان تخصصه... ثم إذ يرجع في أجازته الأسبوعية كان ينقل لوالدته أخباره مع الدير، والآباء الرهبان، فكانت تدعي له بالخير والبركة ولكنها كانت مشغولة عليه لبعده. وكانت تصلي أن يكون عمله بالإسكندرية بجوارها وفيما هي منشغلة بهذا الفكر، تطلب بقلبها الطيب إذا بالقديس مقاريوس الكبير يظهر لها ويتحادث معها، وكما وصفته لي رجل كبير السن بهي المنظر جدًا، طويل القامة ونحيف، وهي لم تسمع عن أنبا مقار من قبل، ولا تعرف عنه شيئًا،
والعجيب أن التاريخ يصف القديس أنبا مقار بهذه الأوصاف تمامًا. فلما رأته وعرفته طلبت إليه في توسل واثق أن ينقل ابنها من الصحراء الى الإسكندرية وقالت له كفاية المدة اللى سكنها جنبك وكان يخدم ديرك ويصلح الحاجات بتاعة الدير. في ذات الأسبوع نقل مراد إلى مقر الشركة بالإسكندرية.
هكذا كانت حياة هذه الأم الباره ،سلسله من الأعاجيب، ويد الرب التي سندتها، كانت واضحة لجميع المحيطين بها، لا سيما شفاعة الملاك ميخائيل الذي لم يخيب لها طلبة مدى الحياة، إلى أن انطلقت إلى الرب بسلام.
من كتاب رائحة المسيح الذكية في ابرار معاصرين
ابونا لوقا سيداروس
كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس – اسبورتنج اسكندرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق