أسماك الأحد
قطع صوت القبطان ميخائيل الهدوء الصباحيّ المعهود في جبل آثوس،
والمترافق مع هدير أمواج البحر.
كان صاعداً باتجاه قلالي إسقيط القديسة حّنة، حاملاً معه أسماكاً طازجة ليبيعها للرهبان.
وبينما كان يقترب من قلاية الأب مينا، نادى بأعلى صوته: "
أيها الأب مينا، أأنت هنا؟".
لم يكن قد مر وقت طويل على انتهاء قداس الأحد في الإسقيط.
فوجد القبطان الأب مينا جالساً بهيئته السلامية يستريح على أحد جذوع الأشجار.
كان الأب مينا معروفاً بنسكه القاسي و أصوامه، ومتميزاً بتواضع وتقوى كبيرين،
لذا أضحى مسكناً لنعمة الله، التي لا تسكن إلا في النفوس المتواضعة.
"تعال يا مبارك، صباح الخير! اجلس لتستريح قليلاً "،
رحّب به الأب مينا بلطافته المعهودة.
كان القبطان ميخائيل يتصّبب عرقاً من شّدة الحر والتعب، وقد أنهكت قواه بسبب صعوبة الطريق.
فصعود المرتفع المؤدي إلى إسقيط القدّيسة حّنة مع سلة مليئة بالأسماك ليس بالأمر السهل أبداً.
"أرأيت يا أبي أنني لم أنسك؟ كنت قد أعطيتك وعداً بإحضار الأسماك قبل عيد قلايّتك.
فسيأتيك بالطبع زوار عديدون وسيكون من الرائع أن تقدم لهم سمكاً طازجاً وجيداً!".
"أشكرك يا أخي على تذكرك إياي، هيا لنرى الأسماك التي أحضرتها!"،
قال الأب مينا وتوجه نحو السلة بابتسامة تعلو وجهه.
لكن فرحه فتر حالما نظر الأسماك تتلوّى داخل السلة .
"متى اصطدتها يا قبطان ؟"، سأله ليتأكد.
"اليوم صباحاً، إنها أسماك يوم الأحد، اصطدتها قبل بزوغ الشمس طازجة، طازجة،
وهل ظننت أنني سأحضر لك أسماكاً غير طازجة؟" .
"للأسف يا بنّي إني لا أستطيع شراءها!
فعمل يتم يوم الأحد هو عمل غير مبارك من الله، وشيء غير مبارك لا أضعه في قلايتي "،
قال الأب مينا وتهيأ للمغادرة .
"آه! ما الذي تقوله يا أبي ؟"، قال القبطان ميخائيل متعجباً،
"ما المشكلة إن اصطدتها يوم الأحد؟ أوليست كل الأيام لله؟"، برر القبطان موقفه!
"نعم يا بنّي، كل الايام لله، وهو أعطانا إياها لنستغلها ونستثمرها،
لكنه خصص يوم الأحد له وباركه وقدسه، لذلك فالعمل فيه هو خطيئة!
ألا تكفينا الأيام الستة الأخرى؟ يوم الأحد علينا الذهاب إلى الكنيسة والقيام بأعمال المحبة".
لم يستطع القبطان ميخائيل فهم هذا الكلام وأصر على رأيه.
حينئذ صلى الأب مينا وطلب من الله ان يتدخل ليساعد هذا الإنسان على إدراك خطأه،
ثم نظر مباشرة إليه وقال : "أحتىّ الآن لم تصدق أنّ هذه الأسماك غير مباركة؟".
" بالطبع لا أصدق! انظر إليها كم هي جيدة!".
عندها نادى الأب مينا قططه الثلاثة، وقال له:
" انظر إلى قططي! أنت تعلم شغفها بالسمك!
لكني أريدك أن تعطيها الآن سمكة من أسماكك،
وسترى أنها لن تأكلها، مع أنها بدون طعام من مساء البارحة".
"أه! ما الذي تقوله ؟
حتى قبل أن ألقي السمكة أرضاً ستلتقطها القطط من الهواء.
انظر كيف ترنو إلي!".
اقترب القط الأول من السلة ونظر إلى عيون الأسماك
وحالما أمسك القبطان إحداها ورماها له تحرك بسرعة نحوها وانحنى ليلتقطها بفمه،
لكنه توقف فجأة وكأنه اشتم رائحة كريهة ! ثم استدار وعاد إلى مكانه.
وهكذا تماما فعل القطان الآخران،
حالما اقتربا من الأسماك واشتما رائحتها تركاها وعادا إلى مكانهما.
" أرأيت يا بنّي كيف لم تأكلها!" قال الأب مينا.
أصيب القبطان بالدهشة، فاستدار نحو الأب مينا وقال له:
"يا إلهي! طيلة هذه السنوات كانت هذه القطط تاكل كل ما أقدمه لها من الأسماك، حتى يوم الأحد ! .
"نعم، أنت على حق، لكنك لم تقدم لها يوما أسماكاً اصطدتها يوم الأحد إنما يوم السبت.
ألا تتذكر يا بني؟ أنت لم تحضر لي أبدا أسماكاً اصطدتها يوم الأحد، يوم الرب.
" إن الأب مينا محق!"،
فكر القبطان ميخائيل وهو يترك المنحدر عائداً وسلته مليئة بالأسماك.
"العمل يوم الأحد غير مبارك من الله... لكن لماذا أنا منزعج؟"، استمر محدثاً نفسه.
"طالما أنني لم أستمع لكلام هذا الراهب القديس، سمح الله أن تعلمني ثلاث قطط جائعة".
من ذلك اليوم، احترم القبطان ميخائيل أيام الآحاد والأعياد، ولم يعمل فيها إطلاقاً،
إنما كان يذهب إلى الكنيسة دون أن يختلق لنفسه الأعذار،
واستمر يروي للناس هذا الحادث العجيب الذي حصل معه.
قطع صوت القبطان ميخائيل الهدوء الصباحيّ المعهود في جبل آثوس،
والمترافق مع هدير أمواج البحر.
كان صاعداً باتجاه قلالي إسقيط القديسة حّنة، حاملاً معه أسماكاً طازجة ليبيعها للرهبان.
وبينما كان يقترب من قلاية الأب مينا، نادى بأعلى صوته: "
أيها الأب مينا، أأنت هنا؟".
لم يكن قد مر وقت طويل على انتهاء قداس الأحد في الإسقيط.
فوجد القبطان الأب مينا جالساً بهيئته السلامية يستريح على أحد جذوع الأشجار.
كان الأب مينا معروفاً بنسكه القاسي و أصوامه، ومتميزاً بتواضع وتقوى كبيرين،
لذا أضحى مسكناً لنعمة الله، التي لا تسكن إلا في النفوس المتواضعة.
"تعال يا مبارك، صباح الخير! اجلس لتستريح قليلاً "،
رحّب به الأب مينا بلطافته المعهودة.
كان القبطان ميخائيل يتصّبب عرقاً من شّدة الحر والتعب، وقد أنهكت قواه بسبب صعوبة الطريق.
فصعود المرتفع المؤدي إلى إسقيط القدّيسة حّنة مع سلة مليئة بالأسماك ليس بالأمر السهل أبداً.
"أرأيت يا أبي أنني لم أنسك؟ كنت قد أعطيتك وعداً بإحضار الأسماك قبل عيد قلايّتك.
فسيأتيك بالطبع زوار عديدون وسيكون من الرائع أن تقدم لهم سمكاً طازجاً وجيداً!".
"أشكرك يا أخي على تذكرك إياي، هيا لنرى الأسماك التي أحضرتها!"،
قال الأب مينا وتوجه نحو السلة بابتسامة تعلو وجهه.
لكن فرحه فتر حالما نظر الأسماك تتلوّى داخل السلة .
"متى اصطدتها يا قبطان ؟"، سأله ليتأكد.
"اليوم صباحاً، إنها أسماك يوم الأحد، اصطدتها قبل بزوغ الشمس طازجة، طازجة،
وهل ظننت أنني سأحضر لك أسماكاً غير طازجة؟" .
"للأسف يا بنّي إني لا أستطيع شراءها!
فعمل يتم يوم الأحد هو عمل غير مبارك من الله، وشيء غير مبارك لا أضعه في قلايتي "،
قال الأب مينا وتهيأ للمغادرة .
"آه! ما الذي تقوله يا أبي ؟"، قال القبطان ميخائيل متعجباً،
"ما المشكلة إن اصطدتها يوم الأحد؟ أوليست كل الأيام لله؟"، برر القبطان موقفه!
"نعم يا بنّي، كل الايام لله، وهو أعطانا إياها لنستغلها ونستثمرها،
لكنه خصص يوم الأحد له وباركه وقدسه، لذلك فالعمل فيه هو خطيئة!
ألا تكفينا الأيام الستة الأخرى؟ يوم الأحد علينا الذهاب إلى الكنيسة والقيام بأعمال المحبة".
لم يستطع القبطان ميخائيل فهم هذا الكلام وأصر على رأيه.
حينئذ صلى الأب مينا وطلب من الله ان يتدخل ليساعد هذا الإنسان على إدراك خطأه،
ثم نظر مباشرة إليه وقال : "أحتىّ الآن لم تصدق أنّ هذه الأسماك غير مباركة؟".
" بالطبع لا أصدق! انظر إليها كم هي جيدة!".
عندها نادى الأب مينا قططه الثلاثة، وقال له:
" انظر إلى قططي! أنت تعلم شغفها بالسمك!
لكني أريدك أن تعطيها الآن سمكة من أسماكك،
وسترى أنها لن تأكلها، مع أنها بدون طعام من مساء البارحة".
"أه! ما الذي تقوله ؟
حتى قبل أن ألقي السمكة أرضاً ستلتقطها القطط من الهواء.
انظر كيف ترنو إلي!".
اقترب القط الأول من السلة ونظر إلى عيون الأسماك
وحالما أمسك القبطان إحداها ورماها له تحرك بسرعة نحوها وانحنى ليلتقطها بفمه،
لكنه توقف فجأة وكأنه اشتم رائحة كريهة ! ثم استدار وعاد إلى مكانه.
وهكذا تماما فعل القطان الآخران،
حالما اقتربا من الأسماك واشتما رائحتها تركاها وعادا إلى مكانهما.
" أرأيت يا بنّي كيف لم تأكلها!" قال الأب مينا.
أصيب القبطان بالدهشة، فاستدار نحو الأب مينا وقال له:
"يا إلهي! طيلة هذه السنوات كانت هذه القطط تاكل كل ما أقدمه لها من الأسماك، حتى يوم الأحد ! .
"نعم، أنت على حق، لكنك لم تقدم لها يوما أسماكاً اصطدتها يوم الأحد إنما يوم السبت.
ألا تتذكر يا بني؟ أنت لم تحضر لي أبدا أسماكاً اصطدتها يوم الأحد، يوم الرب.
" إن الأب مينا محق!"،
فكر القبطان ميخائيل وهو يترك المنحدر عائداً وسلته مليئة بالأسماك.
"العمل يوم الأحد غير مبارك من الله... لكن لماذا أنا منزعج؟"، استمر محدثاً نفسه.
"طالما أنني لم أستمع لكلام هذا الراهب القديس، سمح الله أن تعلمني ثلاث قطط جائعة".
من ذلك اليوم، احترم القبطان ميخائيل أيام الآحاد والأعياد، ولم يعمل فيها إطلاقاً،
إنما كان يذهب إلى الكنيسة دون أن يختلق لنفسه الأعذار،
واستمر يروي للناس هذا الحادث العجيب الذي حصل معه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق